رسالة أكتبها .. كانت منذ 2007


وقدماي تغوصان في مياه الشاطئ، وعيناي حائرتان فيما أجده أمامي !!
أتأرجح بين صورة في ذاكرة الزمان ومواريثه .. وبين ذاكرتي وحدي
أتساءل عن من أسكـُنها ومن تسكنني !!
وسأفضي لكم بما في نفسي (لها) ..
وأنظم عِقداً أثقله وزن كل بيت تطوقت جدرانه حول عنقي
دون أن تخونني الصور عن ماضٍ لها 
وقراءةٍ لأرضها وسمائها بـ غيري ..
عن حياة مملحة وقفار بدأ بها
وتاريخ احتمل جيل، وقد حاورت هي جيل آخر
ورَثـّتـُه عشق البحر والصيد
ومعنى التقيد والالتزام.. 
حبّ التراب والصبر والاحتمال
ولحقت بعدهم أعوام قبل النفط وبعده
مُحقِقةً تفوقاً يطغى على كل ما سبق …

ثم أنا ولم أبلغ من العمر إلا عقدين أو أكثر من الزمن
واعترف أنني لم أرَ ذلك الثوب المالح المكتظ بخروق الفقر !!
ولا حتى تسلسل تطورها وتتابع تقدمها ..
فلن أتظاهر بمظهر كاتبٍ قدير يمجد تراثه حتى تعسرت ولادة الصور الحقيقية في نفسه، 
ولا أتحامل على صغر سني وحرماني من منظر ذلك التراث العريق !!
ولا يعيبني ذلك كله عن التغني بحبي لها،
ولا يعيقني عن رسم صورةٍ جمعتني بها وامتلك إرثاً منها …
ولن يمنعني من أن أتدحرج على طريقٍ معبد، أجد به عبق هواء يستعذبه البدوي في تراب الصحراء!!
لـ يقودني شارع ومجمع وإلى رصيف وموج مياه شاطئها الممتد من جنوبها وحتى الشمال
يحدها ويصونها ويعكس جمال الشمس على سطحها ..
أشعر به فعلاً كل يوم، ويجعلني أتلذذ كما العاشق آخر النهار أمام البحر!!
هي صور أرسمها وقد خفقت في أفقي ثم هبطت على فم القلم، واكتوت بحسٍ ودّيٍ قاصر ..
دون أن تهزمني المثاليات المخادعة عندي أو عند غيري من الناس
فلعل قارئاً يمر بكلماتي وهو لا يعرفنا أنا وهي
يتصور أننا اجتمعنا في قلب تلطخت جدرانه بصورنا معاً
وعشنا معاً حب الطفولة الأبدي الدائم ..

إني أراها سفينة جنحت إلى اليابسة محملةً بصنوف الرزق !!
شيدها رجال حملوا بأيديهم تواتر التقدم
قادوها عبر موج كاسر 
ولها من القصص ما اجتاز صيتها صوت مخيلتي وصداه !!

هي من استـَبـْقـَتها ذاكرتي البسيطة وحفِظـَتها عن قلب
من جموع الشوارع والطرقات
بضجيج ملامح الـسيارات، وكثافة الجدران، وسطوع الزجاج
أرصفة وجامعة .. مستشفى ومرصد .. مدرسة وملعب !!
فوضى الحضارة .. وعشوائية التمدن ..
كنا معاً في سباقٍ مع عاديات التـَرَف، وملامح الثراء
واتجاه الفوز المتصدر بكل قوى ونفوذ ..
غرقت بها وبرطوبتها المحرّضة للبكاء
لفحني حرها وغضب صيفها .. وشتاء لا يمل منها

مشاهد متكررة لا تأفل وتنطفئ هنا
إلا وسراج الحياة قد أوقدها من جديد
ولولا عشرون عاماً وأكثر هي عمري
لكانت متابعتي لمشاهد التحول في تلك المدينة
من تناطح الأفكار بالإسمنت 
والمال بالسياحة وتحول الشوارع والطرق ..
توزعت الأمكنة بـ منازل ظلت شابة وما شاخت 
وأخرى وصلت بنا إلى معانقة السماء 
معالمها تتجدد في الذهن كل حين ..
ارتصت أعمدة الإضاءة على أحد جانبيها
بيد صائغ صك الذهب حول ذراع العروس !!
وطبيعة متحركة .. أستشف منها البهجة والطفولة والرطوبة والبرد في آن واحد ..

وكان لي مع نفسي هواجس وحوار لا يهدأ كلما أرسلني عام إلى عام 
وانتقلت من شارع إلى آخر
كلما سطع جسم مبنى جديد، أو بزغت لافتة تقول بدأ التأجير !!
استقبل صوراً كانت وتبدلت بغيرها جديدة .. 
أتذكر كم مرة مددت يدي لأقبض على الهواء من (شباك) السيارة
ربما أبعث بين تلك النسمات إلى فراغ الماضي والذي لم يحوي رائحة الخيمة أو وتدها !!
مجرد ذكرى لـ طفولة في جنبات “toy town” و”مدماك”
وفي صالات تزلج ضمت أكبر أسرار عبث طفلة
وإفطار الصباح في “مجمع الشعلة” و “أسواق العزيزية” ..و”بيت الدونات”..
وما أن تلبث أن تنبض عقارب الزمن كي أقضي أياماً بعد بزوغ “الراشد”
أسير في شوارع تشبه نفسي لأضم البحر بملء حضني 
لأطوقها والبحر بأذرعنا ..
تُصَفُ الأبنية حولها كجندٍ عظيم
على حوافها طرقات أكثر استقامة 
متوضعة على شبكة تدلني عناويني بخطوط مستقيمة
مصممة على يد مُخطِطٍ بارع !!
تقودني سيارتي خلاله حتى يتحرك رأسي بها يمنة ويسرة 
أشبه بالأفكار المتضاربة والمتضادة
تتصاعد حول طرقاتها فوق الأنوف روائح مختلفة
أميز البحر منها برطوبته عن اليابس ..
وتتضاعد تربة بها لتخفي في جوفها سراً دفيناً
خير أخضرٌ أو طاقة نفطٍ أسود ..
وأخرى لتربة إنسان شيد منها مكارم الأخلاق، فاستضافنا في منازله

ألتصقُ بأهلهــا .. وربما أحمل بعض صفاتهم 
وأنتشي برائحتها العالقة فيهم
وليت أولائك الآمنين في منازلهم يقولون عني كيف بها والآمان
وكيف بطارق ليلٍ لا يستجاب له حتى تثق بمقصده
وقد ترتبت أزمنتها بتتابع ليلها والنهار
تعودتِ النظام وإلى الانصراف بحرفة
مع بداية صباحٍ خشن، أمرر به قهوة مع رطوبة جوها
ونهاية يومٍ لا يجف ولا يكل 
كمثل الدورة تطارد أخرى بتتابع يثير التساؤل
عمن ذا الذي يطلق القيد داخلها ويقول: سِر !
ومن ذا يعقله أثناء الطريق ويقول: لا آذن لك أن تمشي؟
تعليمات تجري في دمها ..
تتبع نبض وأوامر ذاتية من مكانها الذي يرقب الحركة في نفسها
سرعان ما تعتادها وتنطبع صورتها في مخيلتك حتى لا تكاد تآلف غيرها
وكما قال أبو الطيب المتنبي: (لكل امرئ من دهره ما تعودا)

هي من لا تقاس بي أو بأذرعة القياس الخيالية 
هي من قذفت بكنوزها في شتى أنواع المادة، نفطية كانت أو غيرها
من عمق الأرض وجوف البحر وقلب البشر !!

ومن يغالط الحقائق فليصغ إلى الأحداث من حوله
ليرى ما يُعِزّها حقيقة .. وأولا وآخراً
بـ تعالي أصوات المآذن ويكفيها فخراً بذلك ..
لأُقَبـِل أنا الصور ولا أنصرف عنها …

الخُبر،
تلك هي وأنا أرها بعينِ حاد البصر
أرى أسرارها وغموضها وسر الريادة التي تمثلت بها
ولن أستطيع أن أقول كل شيء في قبضة يدي وفي جيب معرفتي
ولم أجد سبب حبي لها
فلها كل ذلك الحنين دون أن يكون ترابي من ترابها
لـ أبدد سؤالاً آخر: أكان بيني وبينها نسب؟
فلي معها ومع نفسي ذكريات ومواقف
وفعل وضده ورأسي الذي سقط بها ..
هذه الذكريات كنت قد نويت أن أطرحها على الطريق العامة
لكني أبقيتها في حصن ذاكرتي كما هي
صورة لا طعم عندي ولا ارتواء ولا شبع إلا معها 
وبها !!

واليوم، أرقب ذهول عظمة المفاجأة حين أكتبها
أرتقب متلفعة بالغموض أن تكتبني هي يوماً ما !!



الصورة من تصوير ياسر الغفيلي..
التعليقات: 12 | الزيارات: | التاريخ: 2009/05/11

12 من التعليقات

  1. يقول القاضي:

    لله درّك .. أي و الله لله درّك ..

    قد لا أصنف أنني من أهل الخبر حتى و أنا قد عشت أبهى و أجمل أيامي فيها على اعتبار أنني لم أولد فيها و لم تطأ قدماي أرضها للمرة الأولى إلا بسبب جامعة البترول. أقول قد .. لكنني أتجاوز هذه الـ قد لأقول إنني أحبها مثل ما يحبها أهلها و ربما أكثر.

    كلما زرتها ينتابني شعور غريب لا أعرف كنهه غير أنني أحسب أنه مثل ذلك الشعور الذي كان ينتاب شعراء المعلقات عند بكاءهم الأطلال.. أطلال مساكن أحبة سكنوا أرواحهم و قلوبهم ثم رحلوا ..

    شكراً لك و ألف شكر .. فلقد هممت منذ زمن أن أكتب و لو شيئاً يسيراً عنها و لم أنجح ..

  2. يقول Mr.Caffeine:

    مساء الخُبر ..

    أختي وعد..لكل مدينة نكهة تميزها عن غيرها ولمدينة “الخبر ” طعم التمر و اللبن ..و نحن جميعاً نحمل لديارنا حباً يصعب تفسيره ..أنا أشاركك أختي إثم العشق والميل المتطرف لهذه المدينة اللابدة في أحضان الخليج أعشقها وبإصرار متعمد أيضاَ ..فعشقي لها فعل إرادة ورغبة التصاق حميم ..لقد كانت أحن علي مما عرفت وأرفق بي أكثر من غيرها ..!

    كثيراً ما أشكر الله لأنه حباني بمنح و هبات قد لا أستحقها … وفي مقدمتها أن جعل الخبر مسقط رأسي ومرتع طفولتي الخصب .. فأن أكون ابن هذه المدينة الضامرة على نفسها والتي أعشق ترابها و أناجي هواها وانتشي لأجوائها الملبدة بالرطوبة و العابقة بالغبار و الموشومه بالحر والاختناق … لهو منحة وشرف أنعم علي خالق الكون بها ..

    حبي لها يجري في دمي لا أطيق ابتعاداً عنها.. أقصى مدى زمني له قبل اشتعال فتيل الاشتياق في خافقي هو عشرة أيام عشرة فقط .. وبعدها يستشري فَي داء الوله فأعجز عن الاستمتاع في غيرها ..هي مدينتي المختلفة عن المدن هي عشقي المنتظر و ذاكرتي المكومة في دهاليز روحي العتيقة وهي تراثي المجدب ..و أهلي الأقرب.. وتفاصيل عالمي الصغير.. وهواي المنتثر في نهايات حويصلاتي الهوائية ..هي طعم “الكنار “المتدلي من دوحة بيت جدي الكبير … هي رائحة “النارنج” المتسربة من عتبات الأبواب الصدئة .. أيطيق أحدنا الانفصال عن كل ذلك؟!!

    حبيبتي الخبر لعل أوجع ماكان في غيابي هو اشتياقي إليك ..عائدٌ لك بإذنه تعالى فانتظريني عما قريب ..حتماً لن أرمي ببطاقة عشقي لك في كومة البطاقات التي رميتها كمشروع حب فاشل ..ستبقين حبيبتي أبد الدهر ..أحبك ..أعشقك ..”أموووت فيك ” ..

    أختي وعد..

    كان وصفك جميلاً وسردك للتفاصيل الصغيرة في هذه التدوينة أعاد ذاكرتي للوراء لأعيش الخبر أيام “مدماك ” والـ”توي تاون ” و”ملاهي السندباد ” و”الشعلة ” قبل أن تحترق و”سوبر ماركت الظهران ” الذي أصبح الآن أسواق المزرعة 9 🙂

    شكراً لك أختي على إبهاجنا بهذه الأحرف ..ممتن لك وأكثر

  3. تسكنك وتسكنيها ..
    ما أجمل ما كتبته و ما أعذبه ..
    :
    دمت بتألقك ..

  4. حينَ يملؤكِ الجوعُ العاطفي،
    فالذكرى،
    ستبتلعُ كلّ ملامحكِ
    وحينَ تنمو حول حوافكِ نبتةَ العشقِ الأثيرة
    تتكاثرُ تحتَ جلدكِ
    وتتوغَّلُ في دمكِ
    كلمة أحبُّها..
    فتبقى جذورها مغروسةً
    تضربُ في صدركِ
    كلَّما اجتثَّت جزءًا من ذاكرتكِ
    هي حالةٌ لا شيئية
    وأبديةٌ حيَّة
    وكلَّما تقشَّر عقلكِ من روائحها
    ثقي سيكونَ للشوقِ بد.

    صدقيني،
    إذا ما لملمكِ الماءُ هناكَ
    ما تنفَّستِ هنا.!

    وتصبحُ جميع مُحاولاتكِ بالنسيانِ.. فاشلة!

  5. يقول o T h M a N:

    تسجيل مرور

  6. اشاطرك نفس الاحساس , وبيني وبين الخبر قصه عشق لا تنتهي, اكن لها حب دفين لا اعلم ماهيته , احس بأن روحي قد ولدت فيها واستنشقت عبير نسماتها , هنيئآ لك بحبها فهي تستحق ذلك الوفاء, تحياتي

  7. يـــــاه ..
    جمال على جمال !
    صحيح أني احب زياراتي لتلك المنطقة
    لكن بدأ لومي يخف على من يتعلق بها كأنتِ !

    شكرا لكِ ياعذبة

  8. يقول Adham:

    مشاعر رائع , وأنامل مبدعة ساقت الحروف بشكل رائع ,
    أبدعت ياوعد … كل التحية .

    أدهم

  9. يقول سهــ ـيل:

    لا أعتقد انك بحاجة لإضافة من عندي بعد التعليقات أعلاهـ، لذلك سأعلق على أول تعليق للقاضي عندما قلت أن جامعة البترول عرفتك عليها…
    ذكرتني بـ د.غازي القصيبي عندما كان سفيراً للبحرين، كان يقول أنني أحاول أبتعث أكبر قدر ممكن من طلاب البحرين الى السعودية لأني بذلك أكسب صداقة راسخة من كل مبتعث…
    فالحياة الدراسية تعطي بيئة جميلة، فإذا كان المحيط جيد هفونا حباً للمكان. و غازي قالها من تجربة البعثة، وكما صم أذناي الكثير من المحاضرين في الجامعة عندما يبدأوا جملهم بـ”عندما كنا في أمريكا” فهم أصبحوا سفراء “شعبيين” لتلك الدول!
    عندما أريد أن أغير أفكار شعب، اتمنى لو استطيع ابتعاث جزء كبير منهم لدولتي لكي يعيشوا فيها ويكسبوا ثقافتها وأفكارها… لكن لا أحد يملك النفوذ والمال لفعل ذلك لأنها تستهلك ميزانية ضخمة! لكن بإمكانك التخمين من فعلها هذه الأيام!

  10. يقول نوفل:

    حيث اجتمع الصمت ليألف أغنية..حيث يصبح الموت صلة رحم..
    شكرا على الاحساس
    أخوك نوفل

  11. روعة وعد ..

    الخبر قصة جميلة .. أقصوصة فنان مبدع .. أراها أجمل مدن المملكة أو تكاد !

  12. سوف أكتب كلمات مشابهه لما كتبتي ..

    عن البايونيه 🙂

    وشلون تكتبون هالكلام؟

    تسكنني و أسكنها … ونهاية يومٍ لا يجف ولا يكل … ارتصت أعمدة الإضاءة على أحد جانبيها

    حسيت انك تتكلمين عن جنيف ولا احد ضواحي لندن